Political Australia Map
White Fluffy Cloud

في صباح يوم السفر، استيقظت مع شعور مزيج بين الحماس والقلق. كان اليوم الذي سأودع فيه كل ما هو مألوف لي، وأبدأ رحلة جديدة في حياتي. الشمس كانت تشرق بهدوء من خلف الستائر، لكن داخل نفسي كان هناك ضجيج من الأفكار والتساؤلات. أول شيء فعلته كان تجهيز الحقائب. حاولت أن أكون منظمًا، لكن مع كل قطعة ملابس أو غرض كنت أضعه في الحقيبة، كنت أشعر بثقل المعنى الذي تحمله تلك الأشياء. كل قطعة كانت تذكرني بلحظة أو ذكرى معينة، وكأنني كنت أحزم جزءًا من حياتي داخل تلك الحقائب. أثناء جمع الأشياء، كنت أحاول تذكر كل ما يمكن أن أحتاجه، لكنني كنت أدرك أيضًا أن هناك أشياء لا يمكن وضعها في الحقيبة: الذكريات، الروابط، وحتى القلق الذي يرافقني. وضعت كل شيء بعناية، محاولًا ألا أنسى شيئًا،لكن كان هناك دائمًا شعور بأنني ربما أترك شيئًا مهمًا خلفي. بعد أن انتهيت من تجهيز الشنط، جلست للحظة أتأمل الغرفة من حولي. كانت الغرفة تبدو فارغة بعد أن أخذت معي كل ما أحتاجه. لكنني كنت أعرف أن الفراغ الحقيقي ليس في الغرفة، بل في داخلي، حيث كنت أستعد لترك كل ما هو مألوف ورائي، والانطلاق إلى عالم جديد مليء بالاحتمالات. تلك اللحظات الصباحية كانت مزيجًا من الهدوء والفوضى. كان كل شيء يبدو جاهزًا من الخارج، لكن في الداخل، كنت أستعد لمعركة جديدة، معركة التأقلم والنجاح في بيئة جديدة. ومع إغلاق حقائبي وإلقاء نظرة أخيرة على المكان، كنت أعرف أنني على وشك أن أبدأ رحلة لن تكون مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل رحلة ستغيرني كشخص، وستضيف فصولًا جديدة إلى قصتي. بعد أن انتهيت من تجهيز الحقائب وأخذت لحظة للجلوس والتأمل في المكان من حولي، غمرني شعور غريب. نظرت إلى أركان البيت، إلى الجدران التي شهدت سنوات من حياتي، إلى التفاصيل الصغيرة التي كانت جزءًا من روتيني اليومي. كل شيء بدا مألوفًا جدًا، ومع ذلك، كان هناك شعور عميق بأنني قد لا أعود إلى هذا المكان كما كنت. تساؤل واحد ظل يلح في ذهني: "هل سترجع يا سامي؟". لم يكن مجرد تساؤل عن العودة الجسدية، بل كان أعمق من ذلك. هل سأرجع إلى هذا المكان وأنا نفس الشخص؟ أم أنني سأعود بشخصية جديدة، بروح مختلفة، محملاً بتجارب ومواقف غيرتني؟ كنت أدرك أن السفر والتغرب ليس مجرد تغيير في المكان، بل هو رحلة إلى الداخل، رحلة لاكتشاف النفس ومعرفة القوة الحقيقية التي نمتلكها. كنت أعلم أنني سأواجه تحديات لم أكن أتخيلها، وأنني سأتعلم الكثير عن نفسي وعن العالم. لكن ذلك التساؤل ظل معلقًا في الهواء، بين الحاضر والمستقبل. لم أكن أعرف الإجابة، وربما لن أعرفها حتى أعود يومًا ما، إذا عدت. ولكن في تلك اللحظة، كل ما كنت أعرفه هو أنني على وشك أن أبدأ فصلاً جديدًا في حياتي، وأن البيت الذي أتركه خلفي سيظل دائمًا جزءًا من هويتي، مهما كانت التغيرات التي قد تحدث. ربما سأعود، وربما لا. لكن الأكيد هو أنني سأخرج من هذه الرحلة شخصًا مختلفًا، بنظرة جديدة على الحياة، وقلب مليء بالذكريات والتجارب التي ستشكل جزءًا من قصتي المستقبلية. لحظة الوداع كانت أصعب مما تخيلت. عندما وقفت أمام عائلتي، شعرت بثقل الكلمات التي لم أتمكن من النطق بها. كانت هناك رغبة قوية في البكاء، لكنني حاولت جاهدًا أن أبدو قويًا، أن أخفي مشاعري خلف ابتسامة متماسكة. عيناي كانت تخونني. شعرت بالخوف من أن تفضحني الدموع التي كانت تكاد تنهمر في أي لحظة. نظرت إلى وجه والدتي، إلى عينيها المليئتين بالحب والقلق، وإلى والدي الذي كان يحاول بدوره أن يبدو قويًا، لكنني كنت أرى في عينيه نفس الحزن الذي أحاول إخفاءه. كانت لحظة الوداع تلك مليئة بالمشاعر المتداخلة. كنت أعرف أن هذه الخطوة هي جزء من تحقيق أحلامي وطموحاتي، لكنني أيضًا كنت أشعر بأنني أترك جزءًا من نفسي خلفي. حاولت أن أطمئنهم بكلمات قليلة، بأنني سأكون بخير، بأنني سأعود يومًا ما محملاً بالنجاحات والذكريات الجميلة. لكن رغم كل محاولاتي للصمود، كان هناك صوت داخلي يصرخ، يذكرني بأنني على وشك مغادرة المكان الذي يمثل الأمان والراحة لي، المكان الذي عشت فيه كل لحظات حياتي. شعرت بأنني أفقد شيئًا ثمينًا، وأنني سأترك وراءي كل ما هو مألوف وأمان. في تلك اللحظة، كانت كل كلمة توديع تزداد صعوبة، وكل نظرة كانت تحمل معها آلاف المشاعر. ومع ذلك، كنت مصممًا على أن أبدو قويًا أمامهم، أن أترك لهم صورة الشاب الذي يستعد لمواجهة العالم بقوة وثبات. عندما حان الوقت للرحيل، أخذت نفسًا عميقًا، عانقتهم بحرارة، وأدرت ظهري. مشيت نحو المجهول، لكن قلبي كان لا يزال هناك، مع عائلتي، يحمل معه الحب والدعم الذي سيظل يرافقني طوال الرحلة. عندما جاء وقت الوداع الحقيقي، ووقفت أمام عائلتي لأقول لهم كلمات الوداع، شعرت بأن كل القوة التي حاولت التمسك بها بدأت تتلاشى. كنت أحاول جاهدًا أن أبدو متماسكًا، أن أتحكم في مشاعري، لكن صوتي بدأ يخونني. شعرت بالغصة تتسلل إلى حنجرتي، تمنعني من النطق بكلمات بسيطة، كأن كل كلمة كانت تحمل وزنًا أكبر مما أستطيع تحمله. حاولت أن أتحدث، أن أطمئنهم بأنني سأكون بخير، بأن هذه الرحلة هي بداية جديدة لمستقبل أفضل، لكن الكلمات خرجت متقطعة، محملة بمشاعر مكبوتة كانت تتدفق بلا إرادة مني. كان صوتي يرتجف، وكأن الغصة تعلن عن الحزن الذي كنت أحاول إخفاءه بكل ما أوتيت من قوة. نظرت إلى عيون والدتي ووالدي، رأيت فيهما نفس الغصة، نفس الحزن، لكنهما كانا يحاولان جاهدين أن يبقيا مبتسمين من أجلي. تلك اللحظة كانت مليئة بالتناقضات؛ رغبة في الرحيل لتحقيق الطموح، وخوف من ترك الأمان والحب الذي وجدته في حضن عائلتي. لم أكن أريدهم أن يروا ضعفي، لكن في تلك اللحظة، كان من المستحيل أن أحتفظ بصلابتي. كل كلمة كانت تخرج بصعوبة، وكل محاولة للتحدث كانت تزيد من قوة الغصة. في النهاية، تركت الكلمات القليلة التي استطعت قولها تعبر عن كل شيء، ثم احتضنتهم بشدة، وكأنني أحاول أن أحتفظ بذكراهم معي في كل خطوة سأخطوها بعيدًا. تلك الغصة كانت تعبيرًا عن كل ما شعرت به في تلك اللحظة: الحب، الحزن، القلق، ولكن أيضًا الأمل. كنت أعلم أن هذه ليست نهاية القصة، بل بداية فصل جديد، وأن الغصة التي شعرت بها ستكون دليلًا على قوة الروابط التي تجمعني بعائلتي، مهما كانت المسافات بعيدة. في تلك اللحظة الحاسمة، عندما حان وقت الوداع، شعرت بثقل لا يمكن تحمله. عادةً ما كنت أجد في عيون والدتي قوةً وطمأنينة تعيد لي توازني، ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا تمامًا. لأول مرة في حياتي، لم أستطع أن أنظر إلى والدتي. لم أستطع مواجهة عينيها اللتين تعكسان كل الحب والقلق والخوف الذي كانت تحاول إخفاءه من أجلي. كنت أخشى أن تكشف نظرتي لها عن كل المشاعر المتداخلة التي كانت تغمرني: الحزن، القلق، الخوف من المجهول، وحتى الشعور بالذنب لتركها خلفي. كنت أعلم أنني إذا نظرت إليها، لن أتمكن من السيطرة على دموعي، وأن تلك الغصة في حلقي ستتحول إلى بكاء لا يمكن إيقافه. أدركت حينها أنني لا أستطيع مواجهتها، ليس لأنني ضعيف، بل لأنني كنت أخشى أن أُحزنها أكثر. كنت أخشى أن ترى في عينيَّ كل تلك المشاعر التي كنت أحاول إخفاءها، وأن تشعر بحجم الألم الذي كنت أحمله داخلي. كنت أعلم أن والدتي كانت تحاول أن تبدو قوية من أجلي، تمامًا كما كنت أحاول أن أبدو قويًا من أجلها. أخذت نفسًا عميقًا، وقررت أن أحافظ على تلك المسافة البصرية بيننا، ليس لأنني لا أريد رؤيتها، ولكن لأنني كنت أحاول حمايتها من رؤية ضعفي. قلت لها وداعًا بصوت متقطع، ثم احتضنتها دون أن أنظر في عينيها، وأنا أشعر بكل تلك المشاعر المتضاربة تجتاحني. في تلك اللحظة، أدركت أنني سأغادر المكان، لكن جزءًا مني سيظل هناك، مع والدتي، في تلك اللحظة التي لم أستطع فيها النظر إلى عينيها. وأنا في طريق إلى المطار، شعرت وكأنني أرى العالم بعينين جديدتين. كل شيء حولي بدا مختلفًا، حتى التفاصيل الصغيرة التي كنت أمر بها كل يوم دون أن ألتفت إليها. كانت تلك الأشجار التي اعتدت رؤيتها على جانب الطريق تبدو أكثر خضرة، والشوارع التي سلكتها مئات المرات بدت وكأنها تحمل معاني جديدة. كنت أنظر إلى كل شيء وكأنني طفل يتعلم من جديد. كل منظر، كل صوت، كل حركة كانت تحمل معها شعورًا غريبًا من الدهشة والاكتشاف. كنت أشعر بأنني أودع كل جزء من حياتي هنا، وأنني أترك وراءي كل تلك التفاصيل التي كانت تشكل عالمي. الناس الذين مررت بهم، السيارات التي كانت تسير بجانبي، حتى المباني التي كنت أراها كل يوم، بدت وكأنها تخبرني شيئًا جديدًا، شيئًا لم ألاحظه من قبل. كنت أشعر بأنني ألتقط كل لحظة، وأحاول أن أخزنها في ذاكرتي، لأنني كنت أعرف أنني على وشك مغادرة كل هذا. كان هناك شعور بالحنين يختلط مع الترقب، كأنني أدرك فجأة قيمة كل شيء كنت أعتبره مألوفًا وعاديًا. حتى الهواء الذي كنت أتنفسه بدا وكأنه يملأ رئتي بشعور من الرهبة والامتنان في نفس الوقت. كنت أشعر بأنني أعيش هذه اللحظات بعمق أكبر مما كنت أعيشه من قبل، وكأنني أريد أن أتأكد أنني لن أنسى أي شيء. كل شيء كان يبدو كدرس جديد في الحياة، وكأنني أتعلم من جديد كيف أقدر الأشياء البسيطة، كيف أرى الجمال في التفاصيل الصغيرة، وكيف أعيش اللحظة بكل ما فيها من مشاعر. تلك الرحلة إلى المطار لم تكن مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل كانت بداية لرحلة داخلية، رحلة لاكتشاف نفسي من جديد في عالم مليء بالاحتمالات. ندما نزلت من السيارة أمام المطار، كان في يدي جواز سفري الأخضر، الذي يمثل هويتي وكل ما أحمله من بلدي. كان جواز السفر هو المفتاح لعالم جديد، لكنه كان أيضًا الرابط الأخير الذي يربطني بوطن نشأت فيه وعشت كل تفاصيل حياتي. نظرت إليه للحظة، شعرت بثقل المسؤولية التي أحملها وأنا أبدأ هذه الرحلة. كنت أرتدي بنطلوني الجينز، ذلك البنطلون الذي كنت أعتبره رفيقي في كل المهمات الصعبة. كان هذا البنطلون يحمل ذكريات عديدة؛ كل طية وكل قطعة قماش فيه كانت تروي قصة عن التحديات التي واجهتها والمواقف التي تخطيتها. اخترته اليوم لأنه كان يمثل بالنسبة لي رمزًا للصمود والقوة. كان يذكرني بأنني مررت بصعوبات من قبل، وأنني قادر على مواجهة التحديات القادمة. بينما كنت أسير باتجاه صالة المغادرة، كنت أشعر وكأنني جندي يستعد لمعركة جديدة. كنت أعلم أن الطريق لن يكون سهلًا، لكنني كنت مستعدًا. جواز سفري الأخضر في يدي كان يعطيني إحساسًا بالأمان، وبنطلوني الجينز كان يعطيني شعورًا بالثقة. كل خطوة كانت تحمل معها قرارًا بالمضي قدمًا، بمواجهة كل ما سيأتي بكل شجاعة وثبات. كنت أعرف أن هذه الرحلة لن تكون مجرد سفر من مكان إلى آخر، بل كانت بداية لمهمة جديدة في حياتي، مهمة تتطلب مني أن أكون قويًا وصبورًا ومتفائلًا. في تلك اللحظة، لم يكن الأمر يتعلق فقط بمغادرة بلدي أو الذهاب إلى مكان جديد. كان الأمر يتعلق بإثبات نفسي، بأنني قادر على التكيف مع كل الظروف، وبأنني مستعد لتحمل المسؤولية والمضي قدمًا نحو مستقبل غير معروف. كنت أرتدي بنطلوني الجينز وأحمل جوازي الأخضر، وأنا أدرك أنني على وشك أن أبدأ فصلًا جديدًا في حياتي، فصلًا مليئًا بالتحديات والفرص التي سأغتنمها بكل ما أملك من قوة وعزيمة. عد أن دخلت المطار، وجدت نفسي وسط حركة لا تهدأ من المسافرين والأصوات المتداخلة. كان المكان يعج بالناس الذين يسيرون بسرعة نحو بواباتهم، كلٌ في رحلته الخاصة. وسط هذا الزحام، وقفت للحظة لألتقط أنفاسي وأستعد للمرحلة التالية. بدأت بتجهيز أوراقي: جواز سفري الأخضر الذي يمثل هويتي، تذاكر الطيران، التأشيرة، وكل المستندات الأخرى التي سأحتاجها خلال الرحلة. كنت أدقق في كل ورقة، أتأكد من أن كل شيء على ما يرام، محاولًا تجنب أي خطأ يمكن أن يعطل رحلتي. كنت أشعر بضغط التوتر، لكنه كان مختلطًا بالحماس لما هو قادم. أثناء تجهيزي للأوراق، كان ذهني مشغولًا بكل التفاصيل الصغيرة: هل وضعت كل شيء في المكان المناسب؟ هل نسيت شيئًا؟ هل سأواجه أي مشاكل عند المرور بنقاط التفتيش؟ كل هذه الأسئلة كانت تدور في رأسي بينما كنت أرتب الأوراق في ملف خاص، حرصًا على أن يكون كل شيء جاهزًا وسهل الوصول إليه. رغم أنني كنت معتادًا على السفر من قبل، إلا أن هذه الرحلة كانت مختلفة. كانت تحمل معها شعورًا بالانتقال إلى مرحلة جديدة من حياتي، حيث كل خطوة وكل إجراء كان له وزن أكبر من المعتاد. كنت أدرك أن هذه الرحلة ليست مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل هي بداية لمسار جديد مليء بالتحديات والفرص. بينما كنت أنتهي من تجهيز الأوراق، شعرت بمزيج من الفخر والرهبة. كنت فخورًا بما وصلت إليه، لكنني كنت أيضًا مدركًا لحجم المسؤولية التي تنتظرني. مع كل ورقة وضعتها في الملف، كنت أستعد ليس فقط للرحلة الجوية، بل للرحلة الأكبر التي ستبدأ بمجرد أن تطأ قدماي الأرض الجديدة. وأخيرًا، عندما كنت مستعدًا تمامًا، أخذت نفسًا عميقًا، نظرت حولي مرة أخيرة في المطار الذي كان بمثابة المحطة الأخيرة قبل الانطلاق. كنت أعرف أنني مستعد للخطوة التالية، محملًا بالأوراق التي تمثل مفتاحي للدخول إلى عالم جديد، وبالطموح الذي سيدفعني للأمام في كل مرحلة من مراحل هذه الرحلة. عندما جاء دوري لتسليم جوازات السفر عند مكتب التسجيل، شعرت بنبضة من الحماية تتسلل إلى داخلي. كنت أحمل بين يدي جواز زوجتي، وفي تلك اللحظة، شعرت بحب ومسؤولية كبيرين تجاهها. أثناء إعطائي الجواز للموظف، قمت دون تفكير بإخفاء صورتها بيدي، كما لو أنني أحمي جزءًا منها من أعين الغرباء. كان هذا التصرف التلقائي يعبر عن مشاعر عميقة، شعرت برغبة في حمايتها، في الحفاظ على خصوصيتها، حتى في هذا الموقف العابر. كنت أدرك أن صورة جواز السفر هي مجرد وثيقة رسمية، لكن بالنسبة لي، كانت أكثر من ذلك. كانت تمثل جزءًا من حياتنا المشتركة، من ذكرياتنا، ومن الحب الذي يجمعنا. عندما أخذ الموظف الجواز من يدي، كنت أراقب تصرفاتي وأفكر في الدوافع الخفية وراء هذا الفعل البسيط. ربما كان الأمر مرتبطًا برغبتي في أن أحمي عائلتي في هذه اللحظات التي كانت مليئة بالتغيرات والمجهول. كنت على وشك أن أبدأ مرحلة جديدة في حياتي، وكانت عائلتي معي في هذه الرحلة، وفي تلك اللحظة شعرت بأنني المسؤول الأول عن حمايتهم. كان إخفاء صورة زوجتي بيدي عبارة عن لحظة صغيرة، لكنها كانت تحمل معاني كبيرة بالنسبة لي. كانت تعبر عن حب لا يمكن وصفه بالكلمات، وعن التزام بحماية من أحب، مهما كانت الظروف. في تلك اللحظة، شعرت بأنني أقوى، ليس فقط لأنني كنت مستعدًا للرحلة، بل لأنني كنت أحمل معي شعورًا عميقًا بالمسؤولية تجاه من أحب. ومع كل هذا، أعطيت الجواز للموظف بابتسامة هادئة، وأنا أعرف أنني سأفعل كل ما بوسعي لضمان سلامة وسعادة عائلتي في كل خطوة من خطوات هذه الرحلة الجديدة. بينما كنا نجلس في صالة الانتظار، نترقب الإعلان عن موعد ركوب الطائرة، وجدت نفسي أشعر بمزيج من التوتر والفضول حول ما سيأتي. كنا على وشك أن نبدأ حياة جديدة في بلد غريب، ومع كل تلك الأسئلة التي كانت تدور في ذهني، شعرت بالحاجة إلى التحدث مع زوجتي، لمناقشة تفاصيل حياتنا الجديدة وكيف سنعيش. بدأت أشاركها أفكاري حول كل شيء. كانت تلك هوايتي التي لا أستطيع مقاومتها: أن أبدو وكأنني أفهم كل شيء، وكأن لدي خطة واضحة لكل تفاصيل حياتنا القادمة. تحدثت بثقة عن كيفية التأقلم مع الثقافة الجديدة، وعن الأماكن التي يمكننا زيارتها، وحتى عن الأمور الصغيرة مثل كيفية ترتيب منزلنا الجديد والتسوق لأول مرة في البلد الجديد. كنت أحاول أن أظهر لها أنني مستعد لكل شيء، وأنني قادر على التعامل مع أي تحدٍ قد نواجهه. ربما كنت أحاول أن أطمئنها، لكنني كنت أيضًا أحاول أن أطمئن نفسي. كنت أرغب في أن أبدو واثقًا من قدراتي، وكأنني قد خططت لكل شيء مسبقًا، حتى لو كانت الحقيقة أنني كنت، في جزء مني، أشعر ببعض القلق من المجهول. لكن زوجتي كانت دائمًا تعرفني جيدًا. كانت تبتسم بلطف، تستمع إلى كل كلمة أقولها، لكنها كانت تعرف أنني أستخدم هذه النقاشات لإخفاء بعض القلق الذي كنت أشعر به. كانت ترد عليَّ بهدوء، وتذكرني بأننا سنتعلم معًا، وسنتأقلم مع كل جديد، وأنه ليس من الضروري أن نعرف كل شيء من البداية. في تلك اللحظة، أدركت أنني لست مضطرًا لأن أكون خبيرًا في كل شيء. كنت أعلم أن هذه الرحلة ستكون مليئة بالتعلم والتجارب الجديدة، وأن الأهم من معرفة كل شيء هو أن نكون معًا وندعم بعضنا البعض. بدأت أشعر بالارتياح، وتوقفت عن محاولة إظهار أنني أفهم كل شيء، وبدلاً من ذلك، بدأت أشاركها في الحديث عن التوقعات والمخاوف، وعن كيفية تعاوننا في تجاوز كل التحديات التي قد تواجهنا. كان ذلك النقاش البسيط بمثابة تذكير لي بأننا نعيش هذه التجربة معًا، وأن قوتنا تأتي من اتحادنا ودعمنا لبعضنا البعض، وليس من معرفة كل شيء مسبقًا. وأن أكون أكثر واقعية وصراحة. فبدلاً من الاستمرار في سرد خطط محكمة، بدأت أشاركها مشاعري الحقيقية، مخاوفي وآمالي، ونحن نتجه معًا نحو المجهول، متحدين بكل ما نملك من حب وثقة في بعضنا البعض. عندما حان الوقت أخيرًا لركوب الطائرة، شعرت بمزيج من الترقب والملل يسيطر على الأجواء. جلسنا في مقاعدنا، وربطنا أحزمة الأمان، واستعدنا للرحلة الطويلة التي ستأخذنا إلى حياتنا الجديدة. ومع انطلاق الطائرة في السماء،

" بدأت تلك الرحلة التي كنت أعلم أنها ستكون مليئة بالتحديات الصغيرة، وعلى رأسها: الملل. في البداية، حاولت أن أستمتع بتلك اللحظات الأولى من الطيران. نظرت من النافذة، وتأملت السحب التي كانت تبدو كأنها بحر من القطن الأبيض تحتنا. لكن بعد فترة، بدأ الملل يتسلل إليّ. كانت الساعات تمر ببطء، والطائرة تسبح في السماء بلا نهاية واضحة. للتغلب على الملل، حاولت الانشغال بقراءة مجلة الطائرة، لكنها لم تكن مثيرة للاهتمام. بعدها جربت مشاهدة فيلم، لكنني لم أستطع التركيز. بدأت أتحرك في مقعدي بقلق، وأحاول العثور على وضع مريح للنوم، لكن النوم كان بعيد المنال. بعد فترة، وجدت نفسي أذهب إلى الحمام أكثر من اللازم. ربما كان ذلك محاولة للهرب من الملل أو لكسر الروتين، ولكنني بدأت أشعر وكأنني أقوم بجولات تفقدية في الطائرة. كل مرة كنت أعود فيها إلى مقعدي، كنت أشعر بأن الرحلة أصبحت أطول. تخللت الرحلة بعض المواقف المضحكة. مرة، وأنا أعود إلى مقعدي، تعثرت قليلاً في الممروانقطع جزء من بنطلوني الجنز قد تكون نسيان الماضي والبدء من جديد، نومنا كان قليلاً ومتقطعًا. كلما حاولت أن أغفو، كنت أستيقظ على صوت طاقم الطائرة أو حركات الركاب. نظرت إلى زوجتي وهي تحاول هي الأخرى العثور على وضع مريح للنوم، لكن يبدو أن الطائرة لم تكن مصممة لأخذ قيلولة مريحة. كنا نضحك بين الحين والآخر على محاولاتنا الفاشلة للنوم، وكأن الرحلة كانت تختبر صبرنا. ورغم كل الملل والمواقف الطريفة، كانت هناك لحظات تأملنا فيها بعضنا البعض، وتحدثنا عن المستقبل الذي ينتظرنا. كانت تلك اللحظات مليئة بالحب والدعم المتبادل، حتى في ظل الظروف المرهقة. الرحلة الطويلة كانت تجربة فريدة بحد ذاتها، مزيجًا من الملل والضحك والتعب، لكنها كانت أيضًا فرصة للتقارب أكثر مع زوجتي ونحن نتطلع معًا إلى حياتنا الجديدة. مع استمرار الملل في الرحلة، لم أتمكن من منع نفسي من فتح ذلك الموضوع الذي أصبح شبه تقليد في كل مرة نسافر فيها معًا. نظرت إلى زوجتي بابتسامة خبيثة، وقلت: "تعرفين، ماذا لو سقطت الطائرة؟" كانت هذه الفكرة دائمًا تثير نقاشات مضحكة بيننا، لكنها لم تفشل يومًا في كسر الروتين. زوجتي كانت قد اعتادت على هذا السؤال، فنظرت إليَّ بنظرة مزيج من الضجر والضحك، وقالت: "ألن تتوقف عن هذا السؤال أبداً" لكنني واصلت الحديث وكأنني لم أسمعها، أتعرفين؟ أتساءل دومًا، هل لدى الطائرة بوري في السماء؟ ماذا لو احتاج الطيار أن يطلب من طائرة أخرى أن تبتعد؟ أو أن يوجه إشارة للطيور مثلاً؟ هل هناك شيء مثل بوري للطائرات؟ زوجتي، التي كانت تعلم أنني أقول هذا فقط لكسر الملل، بدأت تضحك وقالت "إذا كان هناك بوري فأنا متأكدة أنك ستكون أول من يجربه الحديث الذي بدأ كمزحة أصبح أكثر إضحاكاً عندما حاولت تقليد صوت البوري الذي قد تصدره الطائرة. بالطبع، لا يوجد بوري حقيقي للطائرات، لكن خيالنا الجامح كان كافياً ليجعلنا ننسى الملل للحظات. كنا نضحك بشكل هستيري على هذا السيناريو الخيالي، متخيلين كيف ستبدو السماء إذا كانت الطائرات تصدر أصوات البوري في كل مرة تتقاطع مساراتها. وبينما كنا نواصل النقاش حول هذا الموضوع السخيف، شعرت بأننا نجحنا في تحويل الرحلة من مجرد ساعات طويلة من الملل إلى لحظات من الضحك والمواقف الطريفة. كان هذا الحوار الغريب جزءًا من تقاليدنا الخاصة، الذي نعود إليه دائمًا ليجلب لنا بعض الفرح في الرحلات الطويلة. في النهاية، هذه الأحاديث الصغيرة والمضحكة هي التي تجعلنا نتقارب أكثر، وتجعل حتى اللحظات المملة ممتعة ومليئة بالذكريات التي سنسترجعها دائمًا بابتسامة.عندما جاء موعد الهبوط، شعرت بأن الرحلة الطويلة قد وصلت إلى ذروتها. جلست في مقعدي، متشبثًا بيد مسند المقعد بينما أتابع من النافذة مشهد الأرض التي تقترب منا شيئًا فشيئًا. في تلك اللحظات، لم أكن فقط أراقب المناظر الطبيعية تحتنا؛ بل كنت أشعر وكأنني أراقب مستقبلي وعالمي الجديد الذي ينتظرني. كانت السماء الصافية تبدو وكأنها ترحب بنا، والمدينة التي تقترب منا تدريجيًا بدت كأنها لوحة رسمت خصيصًا لتكون بداية فصل جديد في حياتي. شعرت بمزيج من الترقب والتوتر، بينما كنت أفكر في كل التحديات والفرص التي تنتظرني في هذا البلد الجديد. كان قلبي ينبض بسرعة، ليس خوفًا من الهبوط، بل بسبب الأفكار التي كانت تدور في رأسي. ماذا ينتظرني هناك؟ كيف ستكون حياتي؟ هل سأتمكن من تحقيق طموحاتي؟ كل هذه الأسئلة كانت تتصارع في ذهني، بينما كانت الطائرة تقترب أكثر فأكثر من المدرج. النظر من النافذة كان بمثابة تأمل في المستقبل، مشهد المدينة التي كنت على وشك أن أنضم إليها بدا وكأنه يقدم لي لمحة عن الحياة الجديدة التي سأعيشها. كل مبنى، كل شارع، كل قطعة أرض تحتنا بدت وكأنها تحمل في طياتها مغامرات لم أكن قد عشتها بعد. في تلك اللحظة، شعرت بثقة متجددة، وكأن الهبوط يمثل بداية رحلة جديدة مليئة بالتحديات التي كنت مستعدًا لمواجهتها. كان المستقبل الذي رأيته من النافذة مجهولًا، لكنه كان مليئًا بالاحتمالات، وشعرت بأنني مستعد لأغتنمها بكل ما أوتيت من طاقة وعزيمة. ومع اقتراب الطائرة من المدرج، أخذت نفسًا عميقًا، وأنا أبتسم لنفسي. كنت أعلم أنني على وشك أن أخطو خطوة كبيرة نحو مستقبل جديد، مستقبل كنت أنتظره بترقب وحماس. ومع ملامسة عجلات الطائرة للأرض، شعرت بأنني جاهز للانطلاق في مغامرة حياتي الجديدة، حيث تنتظرني كل تلك الفرص التي كنت أترقبها من النافذة. عندما سمعت صوت إطارات الطائرة وهي تصطدم بالأرض بصوتها العالي، شعرت وكأنني انتقلت فجأة إلى أرض المعركة. كان الصوت الحاد الذي صاحبه ارتجاج الطائرة بمثابة إشارة قوية أنني وصلت إلى وجهتي، إلى المكان الذي سيشهد بداية فصل جديد من حياتي. ذلك الصوت، الذي كان عادةً يعني نهاية الرحلة، كان بالنسبة لي بداية المعركة الحقيقية. مع ملامسة الطائرة للأرض، أدركت أنني الآن في مواجهة الواقع، في مواجهة كل التحديات التي ستنتظرني. كانت تلك اللحظة أشبه بلحظة انطلاق الجنود إلى ساحة المعركة، حيث يبدأ الاختبار الحقيقي للقدرات والصبر. كنت أعلم أن الهبوط لم يكن مجرد نهاية للرحلة الجوية، بل كان بداية لمواجهة جديدة في حياتي. حياتي في هذا البلد الجديد ستتطلب مني الشجاعة والإصرار، تمامًا كما يتطلب الجنود الشجاعة والإقدام في ساحة المعركة. شعرت بأنني بحاجة إلى التحلي بكل القوة التي أملكها، لمواجهة المجهول، للاندماج في مجتمع جديد، والتأقلم مع ثقافة جديدة. الصوت العالي لإطارات الطائرة كان بمثابة نداء استيقاظ لي، ليذكرني أن الرحلة الحقيقية تبدأ الآن، على أرض الواقع، بعيدًا عن الأمان النسبي الذي كنت أشعر به في السماء. كل خطوة سأخطوها من الآن فصاعدًا ستكون خطوة نحو بناء حياة جديدة، خطوة نحو تحقيق أهدافي وأحلامي. بينما كنت أجلس في مقعدي، متماسكًا بعد صوت الهبوط، شعرت بمزيج من الخوف والإثارة. كنت أعلم أنني على وشك الدخول في معركة قد تكون صعبة، لكنها ستكون أيضًا فرصة لإثبات نفسي، للتعلم، للنمو، ولتحقيق ما كنت أسعى إليه. ومع توقف الطائرة تمامًا وفتح الأبواب، أدركت أنني جاهز للخطوة الأولى على أرض المعركة. كنت مستعدًا لمواجهة كل ما سيأتي، بقلب مليء بالإصرار وعقل مفتوح لتقبل كل التحديات التي ستشكل هذا الفصل الجديد من حياتي. بينما كنت داخل المطار، لاحظت شيئًا لافتًا للنظر معظم موظفي المطار كانوا من النساء، وكنَّ يقمن باتخاذ القرارات الحاسمة بكل ثقة ودقة. كان الرجال قليلين، متواجدين في أماكن محددة، بينما كانت النساء يسيطرن على مشهد التنظيم والإدارة في المطار. كان هذا التوازن في الأدوار ملفتًا للنظر، وعكس صورة مختلفة عما كنت معتادًا عليه.عند وصولي إلى نقطة ختم الجوازات، كانت هناك موظفة شابة تنتظرني بابتسامة احترافية كانت مدربة عليها تتصنع الود فيها هذا مالاحظته نظرت الى جواز سفري، ثم رفعت رأسها لتنظر إليّ نظرة فاحصة. كانت تسألني سؤالًا روتينيًا، لكن في تلك اللحظة، شعرت بثقل الموقف. كان الأمر بمثابة اختبار صغير في أولى لحظاتي في هذا البلد الجديد. رغم أنني فهمت السؤال بوضوح، شعرت بنوع من التوتر جعلني أصر على إجابة بسيطة بكلمة "Yes" فقط. كنت مدركًا أنني ربما كنت قادرًا على تقديم إجابة أكثر تفصيلًا أو وضوحًا، لكن في تلك اللحظة، كانت "Yes" هي كل ما استطعت أن أنطق به. ربما كان ذلك تعبيرًا عن رغبة في إنهاء الموقف بسرعة، أو ربما كان تعبيرًا عن التوتر الذي كنت أشعر به في مواجهة هذا النظام الجديد. الموظفة استمرت في النظر إلي للحظة إضافية، وكأنها تقيس مدى ثقتي بنفسي أو صحة إجابتي، حيث سيترتب عليَّ تعلم التعامل مع هذه المواقف الحاسمة بشكل أكثر ثقة ووضوح. تلك اللحظة كانت تجربة جديدة بالنسبة لي، تجربة تعلمت منها أن البساطة في الردود قد تكون كافية في بعض الأحيان، ولكنها أيضًا ذكرتني بأهمية التأقلم مع الثقافة الجديدة، حيث الثقة والتواصل الواضح يلعبان دورًا كبيرًا في التعاملات اليومية. بينما كنت أقف أمام الموظفة عند نقطة ختم الجوازات، لاحظت أنها تقرأ بعناية المعلومات الموجودة في تأشيرتي. بعد لحظة من التمحيص، رفعت رأسها وقالت لي بابتسامة أرى أن لديك داعمًا، وهو حكومة المملكة العربية السعودية، كما هو مكتوب في التأشيرة. في تلك اللحظة، شعرت بموجة من الفخر تجتاحني. ينما كانت الموظفة تستعرض تأشيرتي وتفحص التفاصيل، لاحظت أنها تشير إلى دراستي في جامعة سيدني. نظرتها كانت تحمل تساؤلاً غير مباشر، وكأنها تقول "هل تستطيع فعلاً النجاح في هذه الجامعة المرموقة" تلك النظرة جعلتني أشعر بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي، فهي لم تكن مجرد تساؤل عن قدراتي الأكاديمية، بل كانت بمثابة اختبار لمدى استعدادي لمواجهة التحديات الكبرى التي تنتظرني. جامعة سيدني ليست مجرد مؤسسة تعليمية إنها واحدة من أفضل الجامعات في العالم، والدراسة فيها تتطلب الكثير من الجهد والتركيز. تلك النظرة من الموظفة ذكرتني بأن النجاح هنا لن يكون سهلاً، ولكنه ممكن. شعرت بتحدٍ يتولد داخلي، تحدٍ لإثبات أنني قادر على تحقيق النجاح في هذا المكان، وأنني لن أخذل الدعم الذي تلقيته من بلدي. ثم تابعت الموظفة حديثها مشيرة إلى أن تأشيرتي تظهر دعم حكومة المملكة لي، بما في ذلك الدعم الطبي الذي يمكنني من الحصول على العلاج في أي مستشفى في أستراليا. كانت كلماتها تذكرني بقوة الدعم الذي أحمله معي، ليس فقط أكاديميًا، ولكن أيضًا صحيًا. هذا الدعم لم يكن مجرد امتياز، بل كان رمزًا للثقة التي وضعتها بلدي فيَّ، وكنت أشعر بالفخر لهذا الثقة. تلك الإشارة إلى الدعم الطبي جعلتني أدرك أنني محظوظ بالحصول على مثل هذا الامتياز، وأنني في موقف يمكنني فيه الاعتماد على هذا الدعم إذا احتجت إليه. شعرت بأنني محاط بحزام أمان غير مرئي، يتيح لي التركيز على دراستي وتحقيق النجاح دون القلق بشأن الجوانب الطبية أو الرعاية الصحية. في تلك اللحظة، كنت أدرك أن كل هذه الامتيازات تأتي مع مسؤولية كبيرة. مسؤولية التفوق في دراستي، واستثمار الفرصة التي أُتيحت لي، والاعتراف بالدعم الكبير الذي تلقيته من وطني. كنت أشعر بالتصميم أكثر من أي وقت مضى، وعزمت على أنني قادر على النجاح والتميز في هذا الفصل الجديد من حياتي.لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت تذكيرًا لي بقوة الدعم الذي أحمله معي أينما ذهبت. كانت تلك الجملة تحمل في طياتها وزنًا كبيرًا، تذكيرًا بأنني لا أمثل نفسي فقط في هذه الرحلة، بل أمثل بلدي، المملكة العربية السعودية، التي تقف خلفي وتدعمني. ذلك الشعور بالفخر لم يكن فقط لبلدي الذي وفر لي الدعم، بل كان أيضًا فخرًا بنفسي، كوني جزءًا من هذه الأمة، وكوني محظوظًا بالحصول على هذا الدعم الذي يفتح لي الأبواب في بلدان أخرى. كنت أعلم أن هذه الكلمات البسيطة تعني الكثير، فهي تذكرني بمسؤولياتي تجاه بلدي، وبتوقعات بلدي مني أن أكون خير سفير لها في هذا العالم الجديد. ثم قامت بختم جوازي بابتسامة خفيفة. كان ذلك بمثابة إذن بالدخول إلى هذا العالم الجديد كنت أشعر بأنني أكثر ثقة وأكثر جاهزية لمواجهة التحديات المقبلة. لقد ذكرتني كلماتها بأنني لست وحدي في هذه الرحلة، وأنني مدعوم من قبل قوة أكبر، وأن هذا الدعم يعطيني دافعًا إضافيًا للنجاح والتفوق. بعد تلك اللحظة، كنت أسير في المطار وأنا أشعر بالفخر، ليس فقط لكوني سعوديًا، بل أيضًا لأنني أدرك أنني جزء من بلد يدعم أبناءه ويقف معهم في كل خطوة. كانت تلك اللحظة بمثابة دفعة معنوية قوية، ذكرتني بأنني قادر على مواجهة كل ما يأتي أمامي بثقة وعزيمة، بفضل الدعم الذي أحمله معي. وصلنا أخيرًا إلى نقطة التفتيش، المحطة الأخيرة قبل الخروج من المطار والشروع في حياتنا الجديدة. كانت هذه النقطة تحمل في طياتها تجربة لم أكن معتادًا عليها من قبل. عندما وصلت إلى جهاز التفتيش، تقدمت الموظفة بخطوات هادئة نحوي وقالت بابتسامة "أتسمح لي أن أفتشك هنا، أم تفضل أن يكون التفتيش في غرفة مخصصة" تلك الكلمات البسيطة كانت كافية لتترك أثرًا عميقًا في نفسي. شعرت بأن الاحترام هنا ليس مجرد لباقة، بل هو جزء أساسي من الثقافة. كانت تقدم لي خيارًا وتحترم خصوصيتي، وهو أمر لم أكن قد واجهته بهذا الشكل من قبل. كانت تلك اللحظة تعبيرًا صريحًا عن قيمة الاحترام والتقدير الشخصي التي يحظى بها الجميع في هذا المكان. قررت أن أسمح لها بإجراء التفتيش في المكان، وأثناء ذلك، كانت تسألني عن محتويات الشنط بدقة واهتمام. كانت تتحقق من كل شيء بعناية، لتتأكد من أن كل شيء يتوافق مع اللوائح. هذه الدقة في العمل، مع المحافظة على الاحترام، كانت تجربة جديدة بالنسبة لي، وشعرت بأنني في مكان حيث يتم التعامل مع الناس بإنسانية ورقي. وفي الوقت نفسه، لم أتمكن من تجاهل القلق الذي كان يظهر على وجه زوجتي. كانت تحمل في ذهنها مخاوف بسيطة، لكنها مهمة بالنسبة لنا القهوة و بهارات الكبسة. تلك البهارات والقهوة التي كانت جزءًا لا يتجزأ من ثقافتنا وتقاليدنا الغذائية، والتي كانت تعتقد أنها قد تُصادر، مما سيجعلنا نفتقد طعم الوطن في بلاد الغربة. بينما كانت الموظفة تفتح الشنطة وتتفحص المحتويات، نظرت إلى زوجتي وابتسمت مطمئنًا إياها. في تلك اللحظة، كانت خشيتها من فقدان بهارات الكبسة والقهوة تبدو وكأنها مسألة حياة أو موت، وكنا نمزح بيننا على أننا لا نستطيع العيش بدونها. لحسن الحظ، لم يكن هناك أي مشكلة مع البهارات والقهوة ، ومرت عملية التفتيش بسلاسة. تلك اللحظات البسيطة، التي جمعت بين القلق الطريف والاحترام المتبادل، كانت بمثابة تذكير بأن الحياة مليئة بالتفاصيل الصغيرة التي تجعل التجارب الجديدة مليئة بالمعاني. عندما انتهت عملية التفتيش، شعرت بالارتياح وبالتقدير العميق للكيفية التي تتم بها الأمور هنا. لقد غادرت المطار وأخذت معي ليس فقط حقيبتي وبهارات الكبسة، ولكن أيضًا درسًا في الاحترام والدقة، وفهم أعمق لكيفية التعامل مع الناس بإنسانية ورقي. وهنا التفتت لي الموظفة انا وزوجتي وقالت مرحبا بكم في استراليا هنا ادركت اني بالفعل اني وصلت اول خطوات تحقيق ماكنت قد ارداته كنت اردد عند خروجي من المطار بيني وبين نفسي هذا الدعاء (اللهم يا رازق السائلين، يا راحم المساكين، ويا ذا القوة المتين، ويا خير الناصرين، يا ولي المؤمنين، يا غياث المستغيثين، إياك نعبد وإياك نستعين) حتي لحظة خروجي من المطار





بعد أن خرجت من بوابة المطار، ضربني الهواء البارد وكأنه لكمة خفيفة توقظني إلى الواقع الجديد. شعرت كأنني طفل تائه في مدينة لم يرها من قبل، عيني تتجول بين المباني العالية والأضواء المتلألئة، وكل شيء من حولي بدا أكبر وأعقد من أي شيء عرفته من قبل. كانت خطواتي بطيئة ومترددة،محملا بشنط كاني احمل شقة مؤثثه جاهزه لتوزيعها علي المسجلين في الدعم السكني أراقب كل ما يدور حولي وكأنني أتعلم المشي لأول مرة في هذا العالم الغريب.لكن ما زاد من شعوري بالغرابة والانبهار كان وسائل المواصلات التي رأيتها. القطارات الكهربائية كانت تنزلق بهدوء وسلاسة على مساراتها، كما لو كانت تتحدى الجاذبية. لم يكن هناك ضجيج أو صخب؛ فقط حركة هادئة ومنظمة، وكأن المدينة تتحرك بتناغم موسيقي خفي كا سمفونية بيتهوفن التاسعة. ايضا هناك تلك القطارات التي تسير تحت الأرض، تخفي نفسها بعيدًا عن الأنظار، لكنها تظهر فقط في اللحظات الأخيرة، وكأنها أشباح حديثة تعبر المدينة بسرعة ودقة.ولم أكن مستعدًا لما رأيته بعد ذلك طائرات هليكوبتر خاصة تحلق قريبًا من الأرض، تقلع وتهبط بين المباني وكأنها سيارات أجرة في السماء. كان الناس يصعدون إليها وينزلون منها بكل سلاسة، كما لو كانوا يركبون دراجة هوائية. كان مشهدًا لا يصدق، مثل شيء من أفلام الخيال العلمي، لكنه كان حقيقيًا أمام عيني. رأيت في تلك اللحظة كيف أن التكنولوجيا لم تعد حكرًا على الخيال، بل أصبحت جزءًا من الحياة اليومية هنا.بينما كنت أراقب كل هذه المشاهد المذهلة، لم أستطع تجاهل الناس من حولي. كانوا يتحركون بسرعة وثقة، ملامحهم مختلفة، ملابسهم تبدو وكأنها تجمع بين البساطة والغرابة في آن واحد. كانت لغتهم سريعة ومليئة باللهجات التي لم أتمكن من فك رموزها بعد. كنت أشعر وكأنني أشاهد عرضًا حيًا لفيلم لم أفهم قصته بعد، لكنني كنت مفتونًا بكل ما يجري أمامي.كانوا يتحدثون ويضحكون، يتفاعلون مع بعضهم البعض بطرق لم أكن مألوفًا بها، وكل لحظة كنت أشعر وكأنني أغوص أعمق في هذا العالم الجديد. كنت أشعر بالغرابة، لكن في نفس الوقت كان هناك شيء مثير وجذاب في هذا الاختلاف. كان هذا العالم الجديد يبدو مليئًا بالأسرار والتحديات، وكل ما كنت أريده هو اكتشاف المزيد، فهم هذا المكان والتكيف معه.كنت أعلم أنني قد بدأت رحلة لن تكون سهلة، لكنها ستكون مليئة بالمغامرات. كل شيء من حولي كان يشير إلى أنني في بداية فصل جديد، حيث ستكون كل خطوة مغامرة جديدة، وكل لقاء فرصة للتعلم والنمو. كنت مستعدًا لما سيأتي، حتى لو كان كل شيء حولي يبدو غريبًا ومثيرًا للدهشة.بعد يوم طويل من الاكتشافات والمفاجآت، كان الوقت قد حان للذهاب إلى الفندق الذي حجزته مسبقًا. عندما وصلت إليه، شعرت وكأنني دخلت إلى مشهد من أحد الأفلام التي لم أرغب في أن أكون جزءًا منها. كان الفندق رخيصًا، وهذا كان واضحًا منذ اللحظة التي وضعت فيها قدمي في الداخل.الديكور كان قديمًا، والجدران مطلية بألوان باهتة تبدو وكأنها شهدت سنوات من الإهمال. الأضواء الخافتة ألقت بظلال غامضة على المكان، مما زاد من إحساسي بأنني في مكان غريب وغير مألوف. كان الأمر أشبه بدخول فندق من تلك الأفلام التي تتوقع فيها أن تحدث أشياء غير عادية.عند مكتب الاستقبال، كانت صاحبة الفندق داخل اروقة الفندق . كانت تبدو وكأنها مستعدة لأي تحدي جسدي ممتلئة عبوسة تضع في شعرها قلم لتثبت بعض من خصلها المكبوته وصوتها كان لهجة غريبة أشبه بخرير الديك الرومي، مما جعل كل كلمة تنطق بها تبدو وكأنها جزء من أداء كوميدي لا إرادي. كانت تتحدث بسرعة، وحاولت جاهداً فهمها، لكنني لم أتمكن من الإمساك بكل ما كانت تقوله. كنت أشعر بأنني في حوار من نوع آخر غير متأكد مما إذا كنت أتحدث مع صاحبة فندق أو مع شخصية كرتونية. بدأت أدرك أن الفندق الذي اخترته لم يكن مثل أي فندق أقمت فيه من قبل. لم يكن هناك موظف استقبال حقيقي، ولا أحد ليقدم لك الخدمة أو المساعدة عند الحاجة. بدلاً من ذلك، كان كل ما عليك فعله هو أخذ المفتاح من صندوق صغير عند المدخل، وكأن الفندق يدار بشكل ذاتي بالكامل.كان هذا الأمر غريبًا جدًا عليّ، فقد كنت معتادًا على وجود موظفين يستقبلونك، يجيبون على أسئلتك، ويساعدونك في حال احتجت إلى شيء. لكن هنا، لم يكن هناك داعٍ لخدمتك؛ كان كل شيء مخصصًا لك لتدبر أمورك بنفسك.في البداية، شعرت بعدم الراحة. لم أكن متأكدًا مما إذا كان هذا الأمر طبيعيًا في هذا المكان، أو إذا كان هذا الفندق مختلفًا تمامًا عن كل ما عرفته من قبل. كان من الغريب أن تدخل إلى فندق وتجد نفسك وحدك، دون توجيهات أو إرشادات، وكأنك ضيف في مكان مهجور.لكن مع مرور الوقت، بدأت أعتاد على فكرة أنني في فندق "بدون خدمات"، حيث تُترك الأمور للضيوف ليتعاملوا مع ما يحتاجون إليه بأنفسهم. كان ذلك جزءًا من تجربة جديدة، جعلتني أفكر في الطريقة التي يمكن أن تكون فيها بعض الأماكن مختلفة تمامًا عما اعتدنا عليه، وكيف يمكن أن نتكيف مع مثل هذه الظروف.ورغم أن هذه التجربة كانت غريبة وغير مألوفة، إلا أنها كانت درسًا جديدًا في التكيف مع المواقف غير المتوقعة، والاعتماد على الذات في التعامل مع كل ما يأتي.بينما كنا نتحادث، لاحظت نظرات الحاضرين في البار المجاور. كانوا يرمقوننا بنظرات طويلة، وكأننا قدمنا من كوكب آخر. لم تكن هذه النظرات عابرة؛ كانت ممتلئة بالفضول والاستغراب، كما لو أننا كنا نجسد شيئًا لم يروه من قبل. شعرت أنا وزوجتي وكأننا محور اهتمام الجميع، وكل خطوة نخطوها كانت تُراقب عن كثب.لم يكن هناك شك في أن هذا الفندق كان الأرخص، لكن أيضًا كان الأسوأ. الغرف كانت بسيطة لدرجة الصدمة، السجاد متسخ، ورائحة العفن كانت تملأ الهواء. لكن رغم كل ذلك، كان هناك شيء مغرٍ في هذا الموقف، كما لو أننا دخلنا في تجربة فريدة من نوعها، تجربة لن ننساها بسهولة. كانت الليلة تتقدم ببطء، لكن النوم كان بعيد المنال. بينما كنت مستلقيًا على السرير في غرفتنا البسيطة، بدأت أسمع أصواتًا غريبة تأتي من الغرف المجاورة. لم تكن مجرد أصوات عادية؛ كانت أصوات شجار وصراخ، وكأن معركة حقيقية تدور خلف الجدران الرقيقة. كل لحظة تمر، كان الصوت يزداد قوة وكأنه يأتي من معركة جيوش الروم كنت أستمع بترقب، محاولًا فهم ما يجري، لكن الأصوات كانت متداخلة وعنيفة، تجعل من الصعب عليك أن تهدأ أو تغمض عينيك. كان الأمر يبدو كما لو أن الجدران ستنهار في أي لحظة تحت وطأة الصراخ والضجيج. كل ما حولي كان يزيد من حدة القلق والتوتر.لكن مع مرور الوقت، ومع شدة التعب الذي شعرت به بعد يوم طويل من السفر والاستكشاف، بدأت عيني تثقلان. كان عقلي يقاوم، محاولًا البقاء يقظًا بسبب تلك الأصوات المزعجة، لكن جسدي كان له رأي آخر. بالتدريج، بدأت الأصوات تتلاشى في الخلفية، تتحول إلى مجرد همسات بعيدة، وأنا أغفو شيئًا فشيئًا.كانت تلك اللحظات القصيرة من النوم بمثابة هروب مؤقت من الواقع الغريب الذي وجدت نفسي فيه. كان النوم غير مريح، لكنه كان كافيًا لأخذ استراحة قصيرة من كل تلك الفوضى المحيطة. وفي تلك اللحظات القليلة التي غفوت فيها، شعرت وكأنني كنت أهرب من العالم بأسره، إلى حيث يمكنني الاستراحة ولو للحظات معدودة.. لم أكن بحاجة إلى منبه لأستيقظ، فزوجتي كانت قد تكفلت بذلك بصراخها المفاجئ. "هناك قطة في الغرفة!" صرخت وهي تشير نحو الزاوية المظلمة. في تلك اللحظة، شمرت عن ساعدي وكأنني أستعد لأول معركة حقيقية في هذا المكان الغريب. كنت نصف نائم ونصف مستيقظ، لكن الأدرينالين بدأ يتدفق في عروقي، وأنا أتجه نحو الزاوية، متخيلًا أنني على وشك مواجهة قطة ضالة.لكن عندما أشعلت الضوء، اكتشفت أن الأمر لم يكن كما توقعت. لم يكن هناك قطة، بل كان هناك فأر ضخم، بحجم غير طبيعي، بدا وكأنه وحش صغير يسيطر على المكان. كان الفأر كبيرًا جدًا لدرجة أنني للحظة اعتقدت أنني ما زلت في كابوس. لم يكن فقط حجمه مخيفًا، بل كان يتحرك بخطوات جانبية، كما لو كان يخطط لشيء شرير.كان الفأر ينظر إلي بنظرة مشؤومة، وكأنه يقول لي "هذه ليست معركتك." ومع ذلك، لم أكن مستعدًا للاستسلام بسهولة. بدأت بمطاردته في الغرفة، متخيلًا نفسي كصائد شجاع، لكن الفأر كان أسرع مما توقعت. كنت أركض وراءه، لكن كان من الواضح أنه يعرف هذه الغرفة أفضل مني. ربما كان هذا الفأر يعيش هنا منذ سنوات، ويعرف كل زاوية وركن كما يعرف أهل مكة شعابها.رغم كل محاولاتي للإمساك به، كان الفأر يختفي بسرعة خلف الأثاث، ليظهر مجددًا في مكان آخر وكأنه يسخر مني. في النهاية، أدركت أن هذه المعركة لم تكن متكافئة. لم يكن لدي فرصة أمام هذا الفأر المخيف الذي كان يتحرك بخفة وسرعة مذهلة.بعد دقائق من المطاردة، شعرت بالإرهاق، وجلست على السرير وأنا أتنفس بصعوبة، بينما كان الفأر يختفي أخيرًا في فتحة صغيرة بالجدار. نظرت إلى زوجتي، التي كانت تراقب الموقف بقلق، وقلت بنبرة مزاح "أعتقد أنني سأترك له الغرفة، فهو يبدو أكثر تأقلمًا مني هنا" كانت تلك اللحظة واحدة من أغرب التجارب التي مررت بها منذ وصولي إلى هذا المكان. لقد تحولت من مواجهة قطة خيالية إلى مطاردة فأر عملاق، وكل ذلك في فندق كان أشبه بفيلم كوميدي رعب. ورغم كل ذلك، لم أستطع إلا أن أضحك على نفسي وعلى هذا الوضع الغريب. في النهاية، كان هذا جزءًا من مغامرتي في هذا العالم الجديد، مغامرة مليئة بالمفاجآت التي لن أنساها أبدًا.بعد تلك الليلة العجيبة، أدركت أن قراري باختيار فندق مجهول ورخيص كان خطأً كبيرًا. كان الدافع وراء اختياري هو السعر المنخفض، لكنني لم أفكر في العواقب الحقيقية. في بلد جديد، خاصة في الأسبوع الأول، كان من الأفضل أن أختار مكانًا آمنًا وقريبًا من الخدمات، يوفر لي الراحة والأمان بدلاً من المغامرة في أماكن غير معروفة.كان هذا التقييم الأول لي في رحلتي، وقد اتضح أنه تقييم فاشل. لقد تعلمت بطريقة صعبة أن الراحة والأمان لا يمكن التضحية بهما من أجل توفير بعض المال، خاصة عندما تكون في بيئة جديدة وغير مألوفة.لكن رغم كل ذلك، لم أستطع إلا أن أضحك وأشكر الفأر على تنازله لي عن الغرفة في تلك الليلة. رغم حجم الفأر المخيف وتحركاته المشؤومة، إلا أنه اختار في النهاية أن يترك لي المكان وأن يختفي في جدران الفندق. ربما كان هذا الفأر بمثابة تذكير لي بأن هناك دومًا دروسًا يجب تعلمها، حتى من المواقف الغريبة والمضحكة.هذه التجربة علمتني أن أكون أكثر حذرًا في اختياراتي المستقبلية، وأن أفكر جيدًا قبل اتخاذ أي قرار. قد يكون الفأر قد أرعبني تلك الليلة، لكنه أيضًا ساعدني على إدراك أهمية التفكير الطويل الأمد في الرحلات القادمة.

navigator icon
Home Icon
navigator icon