Australia Flag
Australia day concept. Australian flag with the text Happy Australia day against a blackboard background. 26 January.
Dog Giving Woman High Five

الحياة الاجتماعية في أستراليا تبدو للوهلة الأولى وكأنها نسج متين من العلاقات والروابط الأسرية التي تضمن للأفراد شعورًا بالأمان والانتماء. الأحياء السكنية مزدهرة، الناس يملؤون الشوارع، والحدائق العامة تعج بالأسر التي تستمتع بوقتها مع أطفالها. لكن وراء هذه الصورة المثالية، يتوارى واقع أكثر تعقيدًا، يتكشف مع مرور الزمن ويتسلل إلى الأفق مع تقدم الأفراد في العمر. هذا الواقع يكمن في الفجوة العاطفية التي تنشأ بين الأجيال، حيث ينفصل الأبناء عن آبائهم ويجد الآباء العزاء في رفقة الكلاب بدلاً من أبنائهم الذين ابتعدوا.منذ الطفولة، يُعلم المجتمع الأسترالي أفراده قيمة الاستقلالية الفردية. يُشجع الأطفال على الاعتماد على أنفسهم، على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وحتى على مواجهة العالم بكل ما فيه من تحديات وصعوبات دون الاعتماد بشكل مفرط على دعم الأهل. هذا التوجه نحو الاستقلالية هو جزء من ثقافة أوسع تعلي من شأن الحرية الشخصية كأعلى قيمة يمكن للإنسان أن يحققها. كل هذه القيم تبدو رائعة عندما ننظر إليها بشكل منفصل، لكنها تحمل في طياتها تداعيات طويلة الأمد على العلاقات الأسرية.يكبر الأطفال وهم يشعرون بالثقة في قدرتهم على إدارة حياتهم، ويبدأون في بناء مساراتهم الشخصية التي غالبًا ما تقودهم بعيدًا عن منازلهم. سواء كان ذلك بسبب الدراسة أو العمل أو حتى البحث عن مغامرات جديدة في أماكن بعيدة، فإن هذا البعد عن الأهل يبدو طبيعيًا ومرغوبًا في مجتمع يشجع على الاكتفاء الذاتي. مع مرور الوقت، يتحول هذا البعد الجسدي إلى بعد عاطفي أيضًا. الاتصال بالأهل يصبح مقتصرًا على مكالمات هاتفية متباعدة أو زيارات نادرة. وفي نهاية المطاف، يجد الأبناء أنفسهم مستقرين في حياتهم الخاصة، بعيدًا عن الأسرة التي كانت يومًا ما محور حياتهم. الآباء، الذين شجعوا أبناءهم على الاستقلالية واعتبروها علامة على النجاح في التربية، يجدون أنفسهم في مرحلة ما من حياتهم يواجهون الوحدة. لقد استثمروا سنوات في تربية أبنائهم، في تعليمهم ودعمهم، وفجأة يجدون أن هذه الروابط التي كانت قوية قد بدأت تتلاشى. الأبناء، في سعيهم لتحقيق ذواتهم وبناء حياتهم المستقلة، قد لا يشعرون بالضرورة بالحاجة للحفاظ على روابط عاطفية قوية مع والديهم. هذا التباعد يترك الآباء في فراغ عاطفي، ويضطرهم للبحث عن مصادر جديدة للرفقة.

هنا يأتي دور الكلب في حياة الأستراليين. الكلب، الذي كان في الماضي مجرد حيوان أليف، يتحول الآن إلى رفيق حياة أساسي. الكلاب ليست مجرد حيوانات، بل هي مصدر للراحة والطمأنينة في عالم يبدو أنه يزداد برودةً وانعزالًا. الكلب لا يحكم على صاحبه، لا يطلب سوى الحب، ويمنح ولاءً غير مشروط. في هذه اللحظة من الحياة، عندما يشعر الآباء بأنهم قد فقدوا شيئًا مهمًا في علاقتهم مع أبنائهم، يجدون في الكلب عزاءً بديلاً. الكلب يصبح رمزًا للعلاقات التي لم تعد قائمة، وصديقًا يسد الفراغ الذي تركه الأبناء.

الفلسفة الكامنة وراء هذا التحول من الاعتماد على العلاقات الإنسانية إلى الاعتماد على العلاقة مع الكلاب تعكس تغييرات عميقة في المجتمع. الاستقلالية التي تشجع الأفراد على الابتعاد عن أسرهم تؤدي إلى نوع من العزلة الذاتية، حيث يجد كل شخص نفسه محاصرًا في عالمه الخاص، غير قادر على التواصل بعمق مع الآخرين. في هذا السياق، تصبح الكلاب خيارًا مثاليًا؛ فهي توفر رفقة دون متطلبات عاطفية معقدة، وتمنح شعورًا بالارتباط في عالم أصبح فيه التواصل البشري محكومًا بالتوقعات والالتزامات.هذا الاتجاه نحو البحث عن الرفقة مع الكلاب بدلاً من البشر يعكس أيضًا تغييرات في كيفية فهم الناس للحب والعلاقات. في عالم يزداد تعقيدًا وانشغالًا، قد يجد الأفراد أنفسهم غير قادرين على الحفاظ على علاقات عميقة مع الآخرين. الكلب، في هذا السياق، يمثل نوعًا من الحب النقي والبسيط، الذي لا يتطلب شيئًا مقابلًا. هذا النوع من العلاقة يلبي حاجة الإنسان الأساسية إلى الحب والاهتمام، لكنه لا يحل محل العلاقات الإنسانية الحقيقية التي تمنح الحياة معناها.ومع ذلك، يبقى السؤال: لماذا يختار الأبناء الابتعاد عن آبائهم في المقام الأول؟ ولماذا يجد الآباء صعوبة في الحفاظ على الروابط مع أبنائهم؟ الجواب ربما يكمن في الطبيعة المتغيرة للعلاقات الأسرية في المجتمع الحديث. في الماضي، كانت الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية، حيث يعيش الأفراد تحت سقف واحد، يعملون معًا ويعيشون معًا. لكن في العالم الحديث، أصبحت الأسرة مجرد محطة على طريق الحياة. الأفراد ينتقلون من محطة إلى أخرى، يبحثون عن فرص جديدة وتجارب جديدة، ويتركون وراءهم روابطهم الأسرية.هذه الحرية التي يتمتع بها الأفراد تأتي بثمن. الانفصال العاطفي الذي يحدث بين الأجيال ليس مجرد نتيجة للظروف الجغرافية، بل هو نتيجة لتغييرات أعمق في القيم الاجتماعية. الأبناء، الذين تعلموا أن الاستقلالية هي الفضيلة العليا، قد لا يشعرون بالحاجة للحفاظ على علاقات عائلية قوية. وفي المقابل، الآباء، الذين يرون نجاح أبنائهم كدليل على نجاحهم كأهل، يجدون أنفسهم مجبرين على قبول هذا البعد، حتى لو كان ذلك يتركهم وحيدين في النهاية.ولكن هذه الوحدة ليست حتمية. يمكن للآباء والأبناء أن يجدوا طرقًا للحفاظ على الروابط العائلية حتى في ظل هذه الظروف المتغيرة. يمكن للأبناء أن يدركوا أن الحرية لا تعني التخلي عن العلاقات الإنسانية، وأن النجاح الحقيقي يتطلب القدرة على الموازنة بين الاستقلالية والالتزام العائلي. في المقابل، يمكن للآباء أن يسعوا إلى بناء علاقات جديدة مع أبنائهم البالغين، علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والتفاهم.ومع ذلك، يبقى الكلب جزءًا من هذه المعادلة المعقدة. الكلب يمثل نوعًا من الراحة الفورية، نوعًا من الرفقة التي لا تتطلب الكثير من الجهد أو التنازلات. لكنه أيضًا يمثل تذكيرًا بما يمكن أن نخسره عندما نتخلى عن العلاقات الإنسانية الحقيقية. الكلب قد يملأ الفراغ العاطفي، لكنه لا يمكن أن يحل محل الحب العائلي أو الروابط العميقة التي تنشأ من العيش المشترك والمشاركة في الحياة اليومية. ربما يكون الأمر كله يتعلق بالتوازن. التوازن بين السعي لتحقيق الذات والحفاظ على العلاقات العائلية. التوازن بين البحث عن الحرية الشخصية والالتزام بالمسؤوليات العائلية. والتوازن بين الاعتماد على الرفقة مع الكلاب وبين الاستمرار في البحث عن العلاقات الإنسانية الحقيقية. الحياة ليست دائمًا سهلة، والعلاقات ليست دائمًا مثالية، لكن التحدي يكمن في القدرة على التكيف مع التغييرات والبحث عن السعادة والراحة في الأماكن التي قد لا نتوقعها. قد يبدو أن العلاقة مع الكلاب هي مجرد بديل للعلاقات الإنسانية، لكنها في الواقع تعكس حاجة الإنسان العميقة إلى الرفقة والحب. هذه الحاجة هي التي تدفع الآباء إلى تبني الكلاب كرفقاء في حياتهم المتأخرة، وهي التي تدفع الأبناء إلى البحث عن حريتهم واستقلالهم. لكن في النهاية، يبقى السؤال: ما الذي نريده حقًا من الحياة؟ هل نريد الحرية المطلقة؟ أم نريد العلاقات التي تمنح الحياة معناها؟

هذه الأسئلة تفتح الباب للتفكير في طبيعة الإنسان وما يجعله سعيدًا. نحن كائنات اجتماعية، بحاجة إلى الحب والرفقة. لكننا أيضًا بحاجة إلى الحرية والاستقلالية. التحدي يكمن في القدرة على الموازنة بين هذين الجانبين من حياتنا. الكلب قد يكون بديلاً مناسبًا لبعض الوقت، لكنه لا يمكن أن يحل محل العلاقات الإنسانية العميقة. في النهاية، نحن بحاجة إلى كلا الجانبين: الحرية والعلاقات، الاستقلالية والالتزام. هذه هي الفلسفة التي يمكن أن تساعدنا على العيش حياة متوازنة وذات معنى.وعلى الرغم من أن الكلب قد يمنحنا الحب والولاء، إلا أنه في النهاية يبقى حلاً مؤقتًا لفراغ ناتج عن غياب العلاقات الإنسانية.

ربما يكون هذا هو الدرس الأكبر الذي يمكن أن نتعلمه من هذه العلاقة المعقدة بين الإنسان والكلب. نحن بحاجة إلى الرفقة، لكننا بحاجة أيضًا إلى الحب الحقيقي الذي يأتي من العلاقات الإنسانية. الكلب قد يكون جزءًا من الحل، لكنه ليس الحل بأكمله. في نهاية المطاف، نحن بحاجة إلى أن نتذكر أن العلاقات الإنسانية هي التي تشكل جوهر وجودنا، وهي التي تمنحنا القوة والراحة في أوقات الحاجة.

وفي خضم هذا التوازن الصعب بين الحرية والعلاقات، الكلاب ليست مجرد حيوانات أليفة؛ بل هي أفراد يتمتعون بحقوق وحماية قانونية لا تُضاهى. لم أكن أتصور أن الكلاب يمكن أن تحظى بهذا القدر من التقدير والاحترام. في البداية، كان لدي بعض التحفظات تجاه الكلاب، خاصة عندما أرى كلبًا ضخمًا يقترب مني. كنت أشعر بالخوف أحيانًا، لكنني كنت أحاول تجاهل هذا الشعور والتعامل مع الموقف.في أحد الأيام، كنت أمشي في الشارع عندما اقترب مني كلب ضخم. شعرت بالخوف وردة فعلي الطبيعية كانت أن أتراجع قليلاً. لم أكن أريد أن أزعج الكلب، لكنني كنت فقط أحاول الحفاظ على مسافة آمنة. لم تمضِ ثوانٍ حتى اقترب مني صاحب الكلب وقال بنبرة صارمة: "لا تخفه، إنه لا يعض." كان كلامه يوحي بأنني كنت أرتكب خطأً لمجرد أنني شعرت بالخوف.في أستراليا، لا يمكن لك أن تُظهر خوفك من الكلاب. إذا فعلت ذلك، فقد يُعتبر ذلك إهانة لصاحب الكلب، وربما تُفسر تصرفاتك على أنك تسيء معاملة الحيوان. القوانين هنا تحمي الكلاب بشكل كبير، لدرجة أن أي تصرف قد يُعتبر تهديدًا لها يمكن أن يؤدي إلى مشاكل قانونية. شعرت بأنني في وضع غريب؛ كيف يمكنني السيطرة على خوفي من كلب ضخم يتحرك بجانبي دون أن أُعتبر مذنبًا؟ الكلاب في أستراليا تُعامل بطريقة تجعلها تشعر وكأنها جزء من العائلة. كانت هناك قوانين صارمة تحميها، وأي محاولة لتخويفها أو إزعاجها يمكن أن تُعتبر جريمة. كنت أتساءل: كيف يمكن لمجتمع أن يمنح الكلاب هذا القدر من الحقوق بينما يُفرض على الإنسان أن يكتم مشاعره وخوفه؟ هل نحن في مرحلة من التطور الثقافي حيث يصبح الحيوان أكثر أهمية من الإنسان؟

كان هذا الأمر يثير في نفسي تساؤلات فلسفية عميقة حول مفهوم الحرية والحقوق في هذا المجتمع. كيف يمكن أن تكون حقوق الكلب تفوق حقوق الإنسان في بعض الأحيان؟ هل نحن نسعى لإيجاد نوع من التوازن بين ما نحن عليه وما نرغب أن نكون من خلال منح الكلاب حقوقًا تجعلنا نشعر بالرضا عن أنفسنا؟

ومع ذلك، كانت هذه القواعد والقيود جزءًا من الحياة في أستراليا. كانت جزءًا من فلسفة المجتمع الذي يسعى لتحقيق التوازن بين الحرية والمسؤولية، بين الحقوق والواجبات. في هذا المجتمع، المرأة تُعتبر مصدر الحكمة والاستقلال، والطفل هو الكيان الأكثر قدسية، والكلب يُعامل كفرد محترم له حقوقه التي لا تُمس. لكن مع كل هذا التقدير والاحترام، كنت أشعر بأن هناك شيئًا مفقودًا، شيئًا يجعلني أتساءل عن طبيعة هذه العلاقة بين الإنسان وهذه الفئات التي تُعامل كأنها تحمل شيئًا من القدسية.ربما يكون هذا المجتمع قد وصل إلى مستوى من التطور الاجتماعي يجعل من المرأة والطفل والكلب كائنات تتمتع بحقوق وامتيازات تفوق ما يحصل عليه الرجل العادي. ربما تكون هذه الحقوق جزءًا من عملية تطور ثقافي يعكس القيم الإنسانية في أعلى مستوياتها. لكنني كنت أعتقد أن هناك توازنًا يجب أن يُعاد النظر فيه.هل يمكن أن تكون المساواة قد تحولت إلى نوع من العبودية الحديثة؟ هل نحن نضع المرأة في موقف تكون فيه مجبرة على أن تكون قوية ومستقلة طوال الوقت، دون أن نترك لها مساحة للضعف أو الخطأ؟ هل نحن نحمي أطفالنا لدرجة أننا نحرمهم من تجربة الحياة بكل ما فيها من صعوبات وتحديات؟ وهل نحن في مرحلة من التطور الثقافي حيث يصبح الحيوان أكثر أهمية من الإنسان؟بما تكون هذه التساؤلات هي التي تجعلنا نفكر بعمق في طبيعة المجتمع والإنسانية. كنت أدرك أنني أعيش في مجتمع يحاول باستمرار تحقيق التوازن بين الاحترام والقدسية، بين الحرية والمسؤولية. في هذا المجتمع، المرأة والطفل والكلب هم أكثر من مجرد أفراد؛ هم رموز لشيء أكبر، لشيء يعكس طبيعة المجتمع الأسترالي وتطلعاته.وربما يكون هذا هو السبب في أنني كنت أشعر بالاستفزاز أحيانًا. كنت أشعر بأنني في مجتمع يُعيد تعريف العلاقات الإنسانية، ويمنح المرأة والطفل والكلب مكانة قد تكون فوق الطبيعة البشرية. كان هذا التقدير والاحترام جزءًا من عملية تطور ثقافي يعكس القيم الإنسانية في أعلى مستوياتها، ولكنه كان يتركني أتساءل عن مدى تحقيق التوازن في هذه العلاقات.لكن مع مرور الأيام، بدأت أرى جانبًا آخر لهذه القدسية، جانبًا يثير الكثير من التساؤلات حول تأثيرها على نمو الطفل واندماجه في المجتمع.في أستراليا، الأطفال ليسوا فقط مقدسين من قبل ذويهم؛ بل يُعاملون ككيانات منفصلة، يُحاطون بنوع من الحماية المفرطة التي تكاد تعزلهم عن الواقع. كانوا يُعامَلون برقة بالغة، وكأنهم كائنات هشة تحتاج إلى حماية مستمرة من كل ما قد يسبب لهم أي نوع من الأذى النفسي أو الجسدي. وفي خضم هذه الحماية، كنت أرى كيف يمكن لهذه القدسية أن تصبح عائقًا أمام نمو الطفل وتفاعله الطبيعي مع العالم. في هذا المجتمع، هناك نوع من الصمت يحيط بالأطفال. ليس الصمت بالمعنى الحرفي؛ بل هو صمت اجتماعي، حيث يتجنب البالغون الدخول في أي نوع من الصراعات أو النقاشات الجادة مع الأطفال. كل شيء يُقدم لهم على طبق من الذهب، وكل تصرفاتهم تُعتبر طبيعية ومقبولة بغض النظر عن العواقب. لقد شعرت أن هذه القدسية، التي تهدف إلى حماية الأطفال، قد بدأت تفقدهم الفرصة للاندماج الحقيقي مع المجتمع.كنت أرى الأطفال محاطين بجدران غير مرئية، جدران تمنعهم من تجربة الحياة بكل ما فيها من تحديات وصعوبات. كانوا يعيشون في فقاعات من الراحة والأمان، حيث لا مكان للمشاكل أو التحديات التي قد تعلمهم شيئًا عن الحياة الحقيقية. هذه الفقاعات كانت تمنعهم من اختبار حدودهم الشخصية، وتجعلهم أقل قدرة على التفاعل مع العالم الحقيقي.




في أحد الأيام، كنت في مركز تسوق ورأيت طفلاً يتصرف بطريقة غير مهذبة، يصرخ ويطالب بما يريد دون اعتبار لمن حوله. كان الناس ينظرون إليه بابتسامات متعاطفة، لكن لم يحاول أحد تصحيح سلوكه. بدا لي أن الجميع كانوا مقتنعين بأن الطفل يجب أن يُترك ليعبّر عن نفسه دون قيود، حتى لو كان ذلك على حساب احترام الآخرين. أدركت أن المجتمع الصامت، الذي لا يتدخل في توجيه الأطفال أو تعليمهم المسؤولية، قد يكون في الحقيقة يعزلهم عن القيم الأساسية التي يحتاجونها للاندماج في المجتمع عندما يكبرون.بدأت أتساءل: هل يمكن أن تكون هذه القدسية الممنوحة للأطفال سيفًا ذا حدين؟ هل نحن نحميهم لدرجة أننا نحرمهم من تعلم الدروس المهمة في الحياة؟ كيف يمكن لطفل أن يتعلم الاحترام والمسؤولية إذا كان المجتمع من حوله يتجنب تصحيح سلوكه خوفًا من انتهاك قدسيته؟كان من الواضح أن هذه القدسية لم تكن فقط لحماية الأطفال من الأذى، بل كانت تحميهم أيضًا من مواجهة العالم الحقيقي. وهذا العالم الحقيقي، الذي كان مليئًا بالصمت الاجتماعي والتجنب، كان يخلق جيلًا من الأطفال الذين قد يجدون صعوبة في التعامل مع التحديات الحقيقية عندما يكبرون. هذه الحماية المفرطة كانت تعزلهم عن المجتمع، وتمنعهم من تطوير المهارات الاجتماعية اللازمة للتفاعل مع الآخرين. كنت أرى كيف أن الأطفال في أستراليا قد يفقدون الفرصة لتعلم كيفية التعامل مع الصراع، وكيفية التعبير عن مشاعرهم بطريقة ناضجة ومسؤولة. كانوا يعيشون في عالم مصنوع خصيصًا لهم، عالم حيث لا يوجد مكان للفشل أو الإحباط. هذا الوضع أثار في نفسي الكثير من التساؤلات حول تأثير هذه الحماية على مستقبل الأطفال. هل نحن نخلق جيلاً يفتقر إلى القدرة على التكيف مع الواقع؟ هل هذه القدسية تمنعهم من تطوير المرونة النفسية التي يحتاجونها للنجاح في الحياة؟ كيف يمكن لهؤلاء الأطفال أن يتعلموا الصمود في وجه التحديات إذا كانوا دائمًا محاطين بالحماية والراحة؟

بدأت أدرك أن المجتمع الأسترالي، في سعيه لحماية الأطفال وتقديسهم، قد يكون في الحقيقة يعزلهم عن التجربة الحقيقية للحياة. كنت أرى كيف أن الأطفال هنا يكبرون دون أن يواجهوا التحديات التي تعزز من نضجهم الشخصي وتساعدهم على الاندماج في المجتمع بشكل أفضل. كنت أشعر أن المجتمع الصامت، الذي يتجنب التدخل أو النقد، قد يترك هؤلاء الأطفال غير مهيئين للواقع الذي ينتظرهم.وفي نهاية المطاف، كنت أتساءل عما إذا كانت هذه القدسية قد تحولت إلى نوع من القيود التي تمنع الأطفال من النمو الكامل والتفاعل الحقيقي مع العالم. كنت أرى أن المجتمع الذي يقدس الطفل لدرجة تجنبه من أي صراع أو تحدٍ قد يفقد القدرة على إعداد جيل قوي ومستقل قادر على التعامل مع الحياة بكل ما فيها من صعوبات.ربما يكون هذا هو التحدي الأكبر في مجتمع يضع حرية الفرد وقدسيته فوق كل اعتبار. الحرية التي تمنح للأطفال في أستراليا قد تكون في النهاية حريتهم من التعلم من أخطائهم. كنت أرى أن هذه القدسية التي تُحيط بالأطفال قد تكون في الحقيقة تقودهم إلى عزلة عن المجتمع، وعن التعلم الحقيقي الذي يأتي من مواجهة التحديات والصعوبات.وفي خضم هذه التساؤلات، كنت أرى أن هذه القدسية المفرطة قد تكون أكبر عائق أمام اندماج الأطفال في المجتمع الصامت الذي يتجنب الصراع والتحديات. كنت أرى أن هذا المجتمع، رغم حسن نيته، قد يكون في الحقيقة يعزل الأطفال عن التجربة الحقيقية للحياة، ويمنعهم من تعلم الدروس التي ستساعدهم على النجاح في المستقبل.ربما تكون هذه الحماية المفرطة جزءًا من فلسفة أعمق تحكم المجتمع الأسترالي، فلسفة تهدف إلى خلق بيئة مثالية حيث لا مكان للألم أو الفشل. ولكن في سعيهم لتحقيق هذه الفلسفة، قد يكونون يخلقون جيلًا يفتقر إلى القدرة على التكيف مع العالم الحقيقي. كنت أرى أن الأطفال في أستراليا، رغم كل هذا التقدير والاحترام، قد يكونون في الحقيقة أكبر ضحايا لهذه القدسية المفرطة.في النهاية، كانت هذه التجربة تثير في نفسي الكثير من التساؤلات حول طبيعة الحرية والحقوق في المجتمع الأسترالي. كنت أرى أن المجتمع الذي يقدس المرأة، ويحمي الطفل، ويمنح الكلب حقوقًا خاصة قد يكون في الحقيقة يخلق نوعًا من العزلة عن الواقع. كنت أرى أن هذه القدسية المفرطة، رغم نواياها الحسنة، قد تكون في الحقيقة تقود إلى نوع من القيود التي تمنع الناس من التفاعل الحقيقي مع العالم من حولهم.من بين كل التجارب التي مررت بها في أستراليا، كان هناك موقف فريد أدهشني وأثار في نفسي العديد من التساؤلات حول المجتمع وثقافته. هذا الموقف كان يتعلق بحمل طفلي بين ذراعي. في البداية، اعتقدت أن الأطفال هنا محاطون بالتقدير والاحترام إلى درجة تجعل الجميع يرغب في الاقتراب منهم، ولكن ما اكتشفته كان على العكس تمامًا.في أحد الأيام، كنت في طريق العودة إلى المنزل بعد اخذ سعود جولة كما هي العادة . كنت أحمل طفلي بين ذراعي، مشيت في الشارع مكتظًا بالناس، وعندما اقتربت من منطقة الانتظار لركوب الحافلة، لاحظت أن الجميع قد توقف فجأة. لم أكن أتوقع هذا السلوك. بدا الأمر كما لو أنني كنت أحمل شيئًا خطيرًا، شيئًا يجب على الجميع الابتعاد عنه.عندما وقفت في الصف، لاحظت أن الناس بدأوا يتجنبون الوقوف بجانبي. كلما اقتربت من مجموعة من الأشخاص، كانوا يتحركون تلقائيًا بعيدًا، وكأنني أحمل قنبلة قابلة للانفجار. لم يكن هناك تعابير خوف واضحة على وجوههم، بل كان الأمر أشبه بنوع من الحذر المتعمق، كما لو أنهم كانوا يخشون أن يقتربوا مني خوفًا من أن يحدث شيء غير متوقع. هذا السلوك لم يكن مجرد صدفة. لاحظت أن الجميع كان يتجنب الوقوف قربي، بل وحتى المرور بجانبي. كنت أشعر وكأنني أصبحت مركزًا لمحيط خالٍ من البشر، حيث كان الناس ينشئون مسافة آمنة حولي، يتجنبونني كما لو كنت أحمل شيئًا خطيرًا للغاية. كانت نظراتهم مليئة بالحذر والريبة، وكان من الواضح أن حمل طفلي في الأماكن العامة يثير في نفوسهم نوعًا من التوتر. كان هذا التصرف يعكس مدى القدسية التي يُمنحها الطفل في المجتمع الأسترالي، لكن بطريقة جعلتني أشعر وكأنني أحمل بين يدي شيئًا مقدسًا وهشًا لدرجة أن الجميع يخشى أن يقترب منه. كانت هذه القدسية، التي تجعل الطفل كائنًا محميًا، تحوله في الوقت نفسه إلى مصدر للرعب الاجتماعي، حيث يشعر الناس بأن أي اقتراب من طفل قد يجلب عليهم تبعات غير محمودة.كنت أتساءل: هل هذه القدسية الممنوحة للأطفال قد تحولت إلى نوع من الفوبيا الاجتماعية؟ كيف يمكن لطفل صغير أن يكون مصدرًا لهذا القدر من الحذر والخوف؟ كان من الواضح أن المجتمع الأسترالي يضع الأطفال في مرتبة فوق كل اعتبار، لكن هذه المكانة العالية كانت تأتي بثمن. لقد شعرت وكأنني أحمل شيئًا أكثر من مجرد طفل؛ كنت أحمل بين يدي رمزًا للقدسية الاجتماعية التي تجعل من الطفل كائنًا محاطًا بالحماية المفرطة، ولكن في الوقت نفسه معزولًا عن التفاعل الطبيعي مع العالم.بمرور الوقت، بدأت أدرك أن هذه الفوبيا الاجتماعية كانت تعكس خوف المجتمع من أي خطأ قد يحدث. كانوا يخشون أن يحدث شيء للطفل، وكانوا يخشون أن يكونوا مسؤولين عن ذلك بطريقة أو بأخرى. كان هذا السلوك يعكس قلقًا عميقًا حول الحماية المفرطة للأطفال، لدرجة أن المجتمع قد بدأ يتجنب التفاعل مع الأطفال بشكل طبيعي وبهذا، بدأت أفكر في مدى تأثير هذه الفوبيا على المجتمع ككل. كيف يمكن لهذا الحذر المبالغ فيه أن يشكل جيلًا من الأطفال الذين قد يجدون صعوبة في التعامل مع الواقع؟ كيف يمكن لهذه القدسية أن تحول الطفل إلى كائن هش يعيش في عزلة عن العالم الحقيقي؟كنت مليئًا بالتوقعات العالية والصور المثالية عن الحياة في هذا البلد. كنت أعتقد أنني أعرف ما ينتظرني، لكنني لم أكن مستعدًا لمواجهة تلك التعقيدات والتناقضات التي تميز المجتمع الأسترالي. من حرية المرأة المطلقة إلى القدسية التي يُنظر بها إلى الأطفال، ومن الحماية القانونية الممنوحة للكلاب إلى القوانين التي تبدو في بعض الأحيان غريبة وغير منطقية. لقد كان العيش في أستراليا تجربة مستفزة أثارت في نفسي العديد من التساؤلات حول مفهوم الحرية والمسؤولية في هذا المجتمع.أول ما أدهشني كان مدى التقدير والاحترام الذي يُمنح للمرأة هنا. في أستراليا، المرأة ليست فقط متساوية مع الرجل؛ بل تتمتع بمكانة تضعها في مرتبة عالية لدرجة أن أي محاولة للتشكيك في رأيها أو معاملتها بشكل مختلف يمكن أن يُعتبر جريمة اجتماعية. لم يكن هذا مجرد احترام للمرأة بقدر ما كان نوعًا من التقديس الذي يُفرض على الجميع.في إحدى المرات، كنت أنا وزوجتي نتجول في المدينة، وكانت لدينا بعض الأوراق المهمة التي تحتاج إلى الاهتمام. قررت أن أحمل جواز سفرها وبعض مستنداتها لتسهيل الأمور. لكن ما ان راتنا الشرطه في احد الاسواق ورأوا أنني أحمل جواز زوجتي، حتى بدأت نظراتهم تتغير. "هل تعلم أنه من غير القانوني أن تحمل جواز سفر شخص آخر؟" سألني الضابط بنبرة جادة، وكأنه اكتشف جريمة خطيرة. حاولت أن أشرح أنني أحمل الجواز فقط للتسهيل، لكن الضابط لم يكن مقتنعًا. كان الأمر واضحًا: في أستراليا، حمل ممتلكات شخص آخر، حتى لو كان زوجتك، يمكن أن يكون مشكلة قانونية.شعرت بالارتباك والدهشة. كيف يمكن أن يكون حمل جواز زوجتي جريمة؟ كنت أحاول المساعدة، لكنني وجدت نفسي متورطًا في موقف لا أفهمه تمامًا. ايضا في اخر الليل بينما كنت أسير على الرصيف، لاحظت فجأة سيارة تنحرف بشكل غريب ثم تصطدم بعنف بعمود على جانب الطريق. كان الدخان يتصاعد من مقدمة السيارة، وأدركت على الفور أن الحادث قد يكون خطيرًا. هرعت نحو السيارة لأرى ما إذا كان الركاب بحاجة إلى مساعدة.عند وصولي، وجدت شابًا خلف المقود وثلاث فتيات في حالة من الذهول والارتباك. كان الشاب يحاول فتح الباب الذي كان عالقًا بسبب الاصطدام، بينما كانت الفتيات يحاولن مغادرة السيارة بسرعة. بدون تردد، بدأت بمساعدتهم على الخروج من السيارة، محاولًا البحث عن طفاية حريق في السيارة وإبعادهم عن السيارة التي كانت تبدو في حالة غير مستقرة.بينما كنت أساعدهم، كانت إحداهن تتحدث بهاتفها، وعندما انتهت، وضعته في حقيبتها. حاولت تهدئة الجميع، مؤكداً لهم أن المساعدة في طريقها، وأن الشرطة والإسعاف سيتمكنون من التعامل مع الموقف.عند وصول الشرطة، بدأت الأمور تتغير بسرعة. في خضم الفوضى، اتهمتني إحدى الفتيات بسرقة هاتفها. كانت كلماتها صادمة وغير متوقعة. حاولت الدفاع عن نفسي، موضحًا أنني كنت هناك فقط للمساعدة، ولم أكن حتى قريبًا من حقيبتها عندما اختفى الهاتف المزعوم.للأسف، في تلك اللحظة، بدا أن اتهامها كان أكثر تصديقًا بسبب موقفها العاطفي والتوتر الذي كان يسيطر على الموقف. الشرطة، بناءً على روايتها، بدأت في استجوابي وكأنني المشتبه به الرئيسي. على الرغم من أنني كنت الشخص الذي ساعد في البداية، إلا أنني وجدت نفسي متهمًا بشيء لم أفعله. شعرت بمرارة الظلم، خاصة عندما رأيت كيف كانت الشرطة تميل إلى تصديق الفتاة دون أن تتحقق بشكل كامل من التفاصيل. وبعد تفتيش دقيق، تبين أن الهاتف كان في حقيبتها طوال الوقت، وأنها كانت قد نسيت أنها وضعته هناك.بالرغم من أنني بُرئت في النهاية، إلا أن هذه الحادثة تركت لدي شعورًا عميقًا بالإحباط والقلق أدركت في تلك اللحظة أن المرأة في أستراليا تُمنح استقلالية مطلقة، لدرجة أن مجرد محاولة مساعدتها يمكن أن يُعتبر تجاوزًا للحدود. كان هذا جزءًا من فلسفة المجتمع الأسترالي الذي يضع حرية المرأة فوق كل اعتبار.ولكن هذه لم تكن القاعدة الوحيدة التي واجهتني. في أستراليا، كان الأطفال يُعتبرون كائنات مقدسة يجب حمايتها بكل الوسائل الممكنة. لم يكن الأمر يتعلق فقط بتوفير الرعاية الجيدة لهم، بل كان هناك نوع من القدسية التي تُفرض على العلاقة بين البالغين والأطفال. في أحد الأيام، كنت في حديقة عامة ورأيت مجموعة من الأطفال يلعبون. قررت أن أمزح مع أحدهم، لكنني فوجئت بردود فعل الوالدين. كانوا يراقبونني بحذر شديد، وكأنني كنت على وشك ارتكاب جريمة. لم يكن المزاح مع الأطفال مقبولًا بالطريقة التي كنت أتصورها.في هذا المجتمع، لا يمكن للبالغين التحدث إلى الأطفال بحرية كما قد يحدث في أماكن أخرى. هنا، أي تفاعل مع طفل يجب أن يكون مدروسًا بعناية. الأطفال يُعتبرون رمزًا للنقاء والبراءة، وأي محاولة للتحدث إليهم أو التعامل معهم بطريقة غير محسوبة يمكن أن تُعتبر تعديًا على حقوقهم. كنت أشعر بأنني أتجول في حقل ألغام، حيث يجب عليّ أن أكون حذرًا في كل خطوة أخطوها وكل كلمة أقولها.وهكذا، أصبحت أكثر حذرًا في تفاعلاتي مع الأطفال. لم أعد أجرؤ على المزاح معهم، ولم أكن أشعر بالراحة في التعامل معهم دون وجود أحد الوالدين. لقد تعلمت بالطريقة الصعبة أن الأطفال في أستراليا يُعاملون ككائنات مقدسة، وأن أي محاولة للتفاعل معهم دون الحذر اللازم يمكن أن تؤدي إلى مشاكل.كانت هذه التساؤلات تستمر في ملاحقتي، وتجعلني أتأمل في طبيعة المجتمع والحرية والحقوق. كنت أرى أن المجتمع الذي يقدس الطفل لدرجة تجعله معزولًا عن التفاعل الطبيعي قد يكون في الحقيقة يخلق نوعًا من القيود التي تمنع الأطفال من النمو الكامل والتفاعل الحقيقي مع العالم من حولهم.

navigator icon
Home Icon
navigator icon